Friday, March 5, 2010

البحث عن امرأة مفقودة - الفصل الرابع

ـ تفضلي..



ـ يدي يا دكتور..


ـ ما بالها؟..


ـ مجروحة..


ـ أرني ..


بسطت المرأة راحة كفها الأيسر أمامي ، فوجدتها قد أصيبت بجرح بسيط ، سألتها في حيرة:


ـ هل جئت من أجل هذا الجرح؟!..


أجابت في تلعثم ، وعيناها تجوبان أرجاء المكان:


ـ أجل ، لقد خشيت أن يؤثر النزيف على صحتي ، فأنا مريضة..


ـ مريضة؟!.. بماذا؟!


ـ أقصد صحتي سيئة..


تأملتها جيدا ، كانت امرأة في العشرينات من العمر ، وصحتها الظاهرة جيدة ، بل إن جسمها يميل إلى الامتلاء ، فأي سوء في الصحة تقصد؟


وخطر لي أنها مريضة نفسية مصابة بالوهم والوسوسة ، وقد هرعت إلى المستشفى مذعورة ، عندما رأت بضع قطرات من الدم تسيل من يدها الجريحة ، وخطر استمرار النزيف ، فجاءت إلى المستشفى تنشد المساعدة..


سألتها وأنا أبلل قطعة من القطن المعقم بالكحول:


ـ هل سبق أن أصبت بمرض دموي.


ـ لا.


ـ مرض نفسي؟


ـ أبدا.


ـ يبدو أنك كثيرة الوهم!..


لم تكترث بملاحظتي ، تركت يدها في يدي لأعالج جرحها ، وراحت ترنو إلى الطفلة اللقيطة بنظرات لاح فيها الإشفاق ، لم أحفل بنظراتها ، فالذي يمارس مهنة الطب ، يستطيع أن يدرك معنى الفضول الذي يطل من عيون الناس عندما يزورون عيادات الطوارئ..


ولفتت نظري ملاحظة طريفة!.. سألتها وأنا أتأمل الجرح الذي يمتد عبر راحة كفها الأيسر:


ـ بأي شيء جرحت يدك.


كانت ذاهلة عني غارقة في الشرود ، ونظراتها مازالت معلقة بالطفلة..


أعدت عليها السؤال فانتبهت وأجابت في ارتباك واضح:


ـ آه ، جرحتها ... جرحتها بسكين..


تعجبت لهذه السكين الكليلة التي يمكن أن تحدث مثل هذا الجرح ، فالمعروف أن الأدوات الحادة مثل الشفرات والسكاكين تحدث جرحا مستقيما منتظم الحواف ، أما جرح يدها فكان مشرشرا ، وكأنه قد أحدث بأداة كليلة ، كرأس مسمار أو...


سألتها ثانية وقد استولى عليَّ الفضول:


ـ ماذا كنت تعملين في هذا الوقت المبكر.


أجابت بلهجة أكثر تماسكا:


ـ كنت أعمل في المطبخ..


ـ في المطبخ؟!..


ـ أجل.


ـ هل أنت عاملة في فندق؟..


ـ بل ربة منزل.


تساءلت في سري عن السبب الذي يدعوها للعمل في المطبخ بعيد الفجر بقليل!.. خمنت أنها زوجة عامل من الذين ينطلقون إلى أعمالهم مبكرين..


في الحقيقة لولا مظهرها القلق ، لما تماديت في الأسئلة ، ذلك القلق أثار فضولي ، ليس القلق وحده ، كانت حزينة أيضا..


وفاجأتني بسؤال أثار انتباهي ، قالت:بينما كنت أحكم ربط الضماد حول يدهشة:


ـ ما هو مرض تلك الطفة؟..


تساءلت في دهشة:


ـ طفلة؟! ما أدراك أنها طفلة!..


بوغتت بالسؤال ، ابتسمت وقالت:


ـ مجرد تعبير عفوي ، هل هي طفلة حقا؟!..


ـ هي طفلة فهلا ، لكن ما الذي دفعك للاعتقاد بأنها طفلة؟!..


ـ قلت لك لم أقصد ، كل ما في الأمر أن النساء عادة يميلون لتأنيث الأشياء ، مثلما يميل الرجال لتذكيرها..


ـ هل أنت جامعية؟..


كنت طالبة في كلية الآداب ، لكني لم أتم تعليمي..


قلت لها بعد أن انتهيت من تضميد جرحها:


ـ سأكتب لك بعض المضادات الحيوية لوقاية الجرح من الالتهاب.


قالت وكأنها تريد أن تتخلص مني:


ـ لا. لا داعي ، أنا بخير الآن..


نظرت إليها في دهشة..


ـ لا داعي!..


وانتبهت لنفسها:


ـ اكتب ما تراه مناسبا.


وانتظرتني ريثما كتبت الوصفة ، ثم تناولتها ، ومضت مسرعة!..

No comments:

Post a Comment