Friday, March 5, 2010

البحث عن امرأة مفقودة - الفصل الخامس

انتهت الدكتورة أحلام من معالجة الطفلة ، وكتبت تقريرا مفصلا حول حالتها الصحية ، أبلغت الشرطي الذي حمَّلته التقرير ، بأن الطفلة بحاجة إلى بعض الرعاية قبل تحويلها إلى الملجأ..



كانت آثار الحزن والإرهاق بادية عليها ، جلست كالمنهكة ، وأطرقت في كآبة ، ثم راحت في تأمل عميق..


قلت لها:


ـ بإمكانك أن ترتاحي إذا أردتِ..


همست بنبرة واهنة:


ـ اذهب أنت ، سأبقى هنا حتى نهاية الدوام.


ـ كيف حال الطفلة؟


ـ تشكو من بعض المغص ، البرد أثر فيها..


ـ الجاني ترك مع الطفلة مبلغا من المال!..


ـ كيف عرفت؟


ـ سألت الشرطي.


ـ ابتسمت أحلام ابتسامة ساخرة ، ثم قالت:


ـ ما زال بعض الأغبياء يظنون أن المال يمكن أن يكون بديلا للحنان..


قلت وأنا أمضي:


ـ إذا احتجتِ لشيء ، فأنا فوق.






كان النوم قد طار من أجفاني ، لكني شعرت بحاجة ماسة لأن أكون وحدي ، توجهت إلى غرفتي فوجدت هاني ما زال نائما ، ألقيت نفسي على السرير ، ورحت أفكر في هذه الطفلة المسكينة التي كانت والشقاء توأمين في رحم واحد..


وانتبهت لهاني وهو يتقلب على فراشه ، ثم ما لبث أن أفاق وقال وهو يفرك عينيه بظاهر سبابتيه:


ـ نمت كثيرا؟..


ـ اسأل نفسك..


ـ هل من جديد؟


ـ طفلة لقيطة.


سأل وقد توقفت أصابعه عن العبث بشعره:


ـ ماذا؟..


ـ طفلة لقيطة وجدت عند الفجر ملقاة في حديقة جامع الإخلاص القريب من هنا..


قال وهو يعاود الاستلقاء:


ـ يبدو أن أمها غير مدربة!..


ـ مدربة؟!..


ـ أقصد أنها لا تتقن فنون منع الحمل..


ـ ما الذي أودى بنا إلى هذا الانحدار؟..


ـ ما أدراني.. أنا لا أفكر في الأسباب مثلك ، أكتفي بالسماع..


خالي محام ، وأنا مغرم بحكاياته البوليسية..


قلت وقد غاظني البرود الذي استقبل به هاني الخبر:


ـ هل يكفي أن تستمتع بما يحدث؟..


ـ ماذا نفعل؟


ـ هذا يحيرني!


قال وهو ينفض عنه الغطاء:


ـ يبدو عليك التعب ، خذ قسطا من النوم..


ـ لا أشعر بالنعاس..


ـ لماذا أنت مهموم هكذا؟..


ـ منظر الطفلة اللقيطة يعذبني..


ـ تبدو روما نسيا هذا الصباح!..


ـ أنت لم ترها يا هاني..


ـ ولا أريد أن أراها ، هذه الحوادث تبعث في نفسي القرف..


ـ ما يحيرني أن عمر الطفلة يبلغ بضعة شهور ، يزيد عن أربعة شهور..


ـ أربعة شهور؟! الحكاية فيها (إنَّ)!..


ـ أريد أن أعرف هذا (الإنَّ)؟..


قال هاني وهو يبتسم:


ـ فضولك الجارف يدهشني ، دائما تريد أن تعرف كل شيء..


ـ وأنت؟.. ألا تريد أن تعرف؟!..


ـ أنا يا صديقي أحب المعلومات الجاهزة ، قصة في رواية ، تحقيق في صحيفة ، دراسة في مجلة ، أمي تقدم لي الفواكه دائما مقشرة ، والجامعة لم تكلفنا يوما بإجراء بحث أو دراسة ، دائما تطالبنا بحفظ المعلومات..


لا أدري من تسربت إليك لوثة البحث والتنقيب؟ ، لعلك من أحفاد الرازي أو ابن سينا!..


ضحكت رغما عني ، كلام هاني فيه ظرافة وعمق ، وسمعته يقول:


ـ حاول أن تنسى يا صديقي ، فلا شيء في هذه الحياة يهم..


أجبته وأنا ساهم:


ـ لا أصدق أنك تعني ما تقول!..

No comments:

Post a Comment