Friday, March 5, 2010

البحث عن امرأة مفقودة - الفصل الثامن

ـ ما الذي دفع الجناة لأن يلقوا بالطفلة في العراء؟



قل هاني وهو يرتدي راءه الأبيض:


ـ أما زلت نفكر في تلك الطفلة؟


ـ لغزها يتحدى كل طاقاتي العقلية..


ـ آرسين لوبين في ثياب طبيب!..


ـ يقولون : إن آرسين لوبين خرافة لا وجود لها إلا في خيال المؤلف الذي اخترعها..


ابتسم هاني وقال في دعابة:


ـ وأنت خرافة لا تصدق ، أريد أن أسألك سؤالا ، وأرجو أن تجبني عنه بصراحة!..


ـ أسأل؟


ـ من الذي نصبك مسؤولا عن هذا العالم؟


ـ هل أبدو هكذا حقا؟..


ـ ماذا تقول إذن في طبيب يحقق في جريمة التقى صدفة بأحد عناصرها؟..


ـ سم ذلك فضولا..


ـ فضولك يتعبني ، يرهقني بالتساؤلات ، تسألني وكأني أنا الذي أنجبت تلك الطفلة وألقيتها فريسة للمجهول..


قلت أستفزه:


ـ كيف لم يخطر هذا ببالي؟..


لماذا لا تكون أنت والد الطفلة؟


هتف في إنكار:


ـ أنا؟!..


ثم ابتسم ساخرا وأردف:


ـ أنا كثيرا الأخطاء ، نعم ، ولكني أتحمل مسؤولية أخطائي..


أعدت عليه السؤال:


ـ ما الذي دفع بالجناة لأن يتخلصوا من الطفلة؟


ـ ها أنت تعود إلى السؤال نفسه!.. ، حسنا ، سأجيبك..


ثم تابع وهو يجلس على حافة السرير:


ـ الاحتمال الأول هو الخوف من الفضيحة.


ـ هذا الاحتمال ضعيف ، لأن عمر الطفلة يزيد عن أربعة أشهر..


ـ مهما يكن ، يظل الخوف من الفضيحة دافعا واردا..


ـ فكر بدافع آخر..


ـ الفقر والجوع إذن!..


ـ لا أعتقد أن في مجتمعنا فقرا يجعل الأسرة تلفظ أطفالها وتلقيهم فريسة للشقاء بهذه الوحشية..


ـ لا تكن متفائلا ، الفقر والجوع في لبنان دفع بعض العائلات يوما لأن تعلن عن حاجتها لبيع أبنائها من أجل ثمن الخبز..


ـ هذه حالات خاصة ومحدودة!..


ـ ما أدراك أنها تتسع؟


نظرت إلى هاني في قلق ، هل عاد الفقر ليضرب مجتمعاتنا من جديد؟


أفي عصر الثروات العربية يوجد من يجوع ويعرى ويضطر لبيع أطفاله من أجل لقمة طعام؟..


وقلت بعد صمت وتأمل:


ـ لا أعتقد أن الجوع أو الفقر يمكن أن يكون دافعا للتخلي عن هذه الطفلة بالذات ، لا تنس المبلغ الذي وجد بحوزتها ، إنه مبلغ لا يتوافر لفقير يضطره الجوع لأن يتخلى عن أطفاله..


قال هاني كالحائر:


ـ أنت على حق..


ثم أردف كمن يريد التخلص:


ـ هذا كل ما عندي ، فلا تسألني بعد الآن..


ضحكت ثم قلت:


ـ هاني ، أنا لا أريد أن أشغلك بقضية لا تهمك ، لكني أحاول التفكير بصوت مسموع..


ثم أردفت بعد صمت قصير:


ـ ألا يعقل أن يكون وراء هذه اللقيطة قصة إرث كبير ضن به الطامعون عليها حتى لا تشاركهم الميراث؟


هتف هاني ، وقد راقت له الفكرة:


ـ آه .. هذه هو ، بدأت أعتنق أفكارك كمحقق ذكي ، القصة أصبحت واضحة الآن..


رجل ثري عجوز تزوج من صبية جميلة طمعا بالإنجاب ، بعد أن يئس من إنجاب زوجته الأولى ، وعندما أنجبت الزوجة الثانية طار صواب الزوجة الأولى وقررت أن تتخلص من ابنة ضرتها التي جاءت تزاحمها على التركة الثمينة ، فتسللت تحت جنح الظلام وخطفت الطفلة ثم ألقتها في حديقة المسجد بعد أن تركت قربه مبلغا من المال..


لقد تابعت مسلسلا عربيا حول قصة كهذه..


فكرت قليلا ، ثم قلت:


ـ قد لا يكون الأمر بهذه الصورة تماما ، لكن قضية الصراع على الميراث ، قد تدفع بعض من أعمى بريق المال بصائرهم ، لأن يلغوا إنسانيتهم ويقترفوا إثما كهذا..


ثم استدركت وقد لمعت في بالي فكرة:


ـ لكن الأم الحقيقة في هذه الحالة ستسأل عن طفلتها بكل وسيلة ، ستطرق أبواب المستشفيات وأقسام الشرطة وملاجئ الأيتام ، ستقلب الدنيا بحثا عن طفلتها..


الأم عندما تفقد أحد أطفالها تصبح كاللبؤة الجريحة التي لا يقف في وجه ثورتها شيء..


فكرهاني وقال:


ـ هل تريد أن تقول...


ـ نعم ، إن الأم تبحث الآن عن أي خيط يقودها إلى طفلتها المفقودة..


جلس هاني قربي ، وقال في حماس:


ـ لقد بدأت أستمتع بلعبتك البوليسية!..


ـ هاني أنا لا ألعب..


ـ حسنا حسنا ، ماذا تريد أن تفعل الآن؟..


ـ يجب أن نعمم خبر وجود الطفلة عندنا في المستشفى بأية وسيلة..


ـ من خلال الصحافة مثلا..


ـ هل تعرف أحد يعمل في الصحافة؟..


ـ أعرف صحفيا مشهورا لا يشق له غبار..


ـ من هو؟


ـ الأستاذ سعيد الناشف ، صاحب جريدة الأيام..


ـ أمعرفتك به قوية؟..


ـ إنه صديق قديم لوالدي ، وهو يزورنا باستمرار..


وقفت وقلت بنبرة متفائلة:


ـ سنزوره بعد انتهاء الدوام..


ـ ولكن على شرط..


ـ ما هو؟


قال هاني في مكر:


ـ تملأ خزان سيارتي بالبنزين..

No comments:

Post a Comment