Friday, March 5, 2010

البحث عن امرأة مفقودة - الفصل السابع

قال هاني متذمرا وهو يدير المفتاح في المحرك:



ـ لقد تأخرت ، يبدو أن أحاديثكما كثيرة هذه الأيام..


ـ أحاديثنا؟!.. من تقصد؟!..


ـ أنت تعرف من أقصد..


ـ الدكتورة أحلام؟


ـ أجل.. إنها مهتمة بك!..


ـ حقا؟!..


نظر إليَّ نظرة خاطفة ثم تابع قائلا ، وهو يرقب الطريق أمامه:


ـ يعني لم تلاحظ!..


ـ الدكتورة أحلام مهذبة ولطيفة مع الجميع..


قال هاني وهو يمسك بطرف شاربه الكثيف الذي يهتم به كثيرا:


ـ أحلق شاربي هذا إن لم تكن قد لاحظت..


ـ ماذا تريد أن تقول؟..


ـ أريد أن أقول مبروك..


ـ على ماذا؟..


ـ لقد أحسنت الاختيار..


ـ هاني .. أنت تتسرع في فهم الأمور.


تنهد هاني متحسرا ، وقال بنبرة باردة:


ـ ستكون غبيا إذا خسرتها..


ـ من هي حتى أخسرها؟..


ضحك هاني ضحكة غريبة ، وهو يحملق بالأفق الممتد أمامه ، عبر نافذة السيارة الأمامية ، ثم قال وهو يفخم الكلمات كالساخر ، مستعينا بحركة يده وتعابير وجهه الممتعض:


ـ إنها الدكتورة أحلام ابنة الملياردير عبد الغني الذهبي.. شركات وصفقات وعقارات وأرصدة هائلة في البنوك.. مال وجاه وقوة ونفوذ..


حاكم بلا حكومة ، وملك بلا تاج.. أو كما يسمي نفسه الإمبرطور!..


ثم التفت هاني إليَّ متهكما وقال:


ـ ألم تسمع بالإمبروطورية الذهبية؟


ابتسمت وقلت:


ـ معلومات مهمة!.. من أين حصلت عليها؟


ـ تحريات خاصة..


ـ لعلك فكرت بالزواج منها..


ـ ورفضت؟


ـ رفضت!.. هل تقدمت إليها ورفضت؟!..


ـ أجل ، فأنا لا أليق ببنت السلطان..


ـ هذه الأسرار تنشر لأول مرة.!..


ـ لا تقل بأنك لا تعلم ، لابد أنها قد أخبرتك..


خرجت عن طوري قليلا ، وقلت معاتبا:


ـ هاني أنت تتصور أمورا غريبة لا وجود لها إلا في خيالك ، أنت تعلم أني شديد التحفظ في تعااملي مع الجنس الآخر ، أرجوك أن تنظر إلى الأمور بمنظار آخر..


إذا كنت قد سمعت منى تحوها بعض الثناء والإطراء فهذا لأنها تستحقه ، وليس مناورة لأحيطها بشباكي ، الدكتورة أحلام بالذات لا أستطيع إلا أن أكون لطيفا معها ، لأنها تعاملني معاملة طيبة ، وتبدي نحوي كل احترام..


هتف هاني وكأنه أمسك دليلا على أوهامه:


ـ ها أنت تعترف ، في علاقتكما شيء أكثر من الزمالة ، هناك خيط من الود والتفاهم المستور بالاحترام..


قلت وقد نفذ صبري على اتهاماته:


ـ هاني أرجوك ، لقد ضقت ذرعا بهذا النقاش ، أنت متوتر بعض الشيء لظروف قد لا أعرف تفاصيلها ، حاول أن تتخلص من أوهامك حتى لا تعكر صفو ما بيننا..






مال هاني بسيارته إلى جانب الطريق ، فأوقفها ، ثم ألقى برأسه على المقود في هددوء حزين ، واستمر كذلك برهة ، ثم التفت إليَّ وقال في ندم:


ـ صلاح إني أعتذر ، هل تقبل اعتذاري؟


قلت وأنا أشد بكفي على كتفه مواسيا:


ـ لست مضطرا للاعتذار ، أستطيع أن أتفهم موقفك..


استرخى هاني على كرسيه ، واستسلم لتيار من الكآبة ، ثم همس بنبرة حزينة:


ـ نعم ، من الصعب أن تجد نفسك مرفوضا من فتاة أحلامك التي اخترتها لتكون شريكة لك في الحياة ، لا أخفيك ، لقد زلزلتني الصدمة ، وقوضت أحلامي ، لشد ما أنا حزين..


قلت في محاولة للتخفيف عنه:


ـ هاني تماسك ، أحلام ليست الفتاة الأخيرة في العالم..


ـ تصورت أن فتاة غنية مثلها لابد أنها تبحث عن شاب ثري مثلي ، ولاسيما أننا زميلان في اختصاص واحد!..


ـ العواطف لا تخضع لحسابات العقل..


ـ ما آلمني أنها هي التي رفضتني!..


ـ ووافق أبوها؟..


ـ قالت : إني أحترمه كأخ وزميل ، لكني أعتذر عن الزواج منه.


ـ حاول أن تنساها..


ـ أحاول..


ـ ابتسم الآن..


أضاءت ملامحه نصف ابتسامة ، وغاب برهة في صمته ، ثم التفت إليَّ قائلا:


ـ سأكون سعيدا لو فزت بها أنت..


ـ هاني ، دعنا من هذه الحديث..


تابع هاني وكأنه لم يسمع رجائي:


ـ أنا أعلم أن أحلام ستذهب إلى غيري ، وأنت الإنسان الوحيد الذي أرضى أن تفضله عليَّ..


لأنك أفضل مني فعلا..


شعرت بالخجل أمام بوح هاني وتواضعه الفريد ، وهزني إخلاصه من الأعماق ، همست في حياء:


ـ هاني أرجوك ، لا تكرر هذا الكلام على سمعي بعد الآن..


ربت هاني على كتفي ، ثم أدار المفتاح ، وانطلق بسيارته في هدوء ، وقد ران علينا صمت مفعم بالمشاعر الرقيقة..


ما حيرني فعلا هو كتمان هاني لميله إلى أحلام عني ، وهو الذي لا يخفي عني سرا من أسراره!..


هاني كان يحبها منذ زمن بعيد؟ أم أن قرار مرتجلا دفعه إلى خطبتها فجأة؟..


أحيانا لا أستطيع أن أفهمه!.. إنه شاب مزاجي ، لكنه طيب جدا ، أطيب شاب عرفته في حياتي..


وداهمني سؤال..


هل أصبح اهتمامي بأحلام ، واهتمامها بي واضحا إلى الحد الذي جعل هاني يفصح عن غيرته مني..


وأنا أعز أصدقائه وأقربهم إلى نفسه؟..


الأشياء الكبيرة دائما تبدأ بسؤال!..

No comments:

Post a Comment