Friday, March 12, 2010

البحث عن امرأة مفقودة - التاسع و العشرون

أنت الدكتور صلاح الحكيم؟..



ـ نعم ، هل من خدمة؟..


ـ تفضل معنا..


ـ أنا؟..


ـ ألست الدكتور صلاح الحكيم؟..


ـ نعم ، ولكن.....


ـ أرجو أن تمضي معنا بهدوء ، معنا أمر بالقبض عليك..


مادت بي الأرض ، وسحقتني المفاجأة تحت وقعها الثقيل..


يا لهذا الصباح الأسود!..


أأساق إلى السجن كالمجرمين؟...


ونظرت حولي في جنون ،


رجال الأمن ينتشرون في باحة المستشفى وحديقته حسب خطة مدروسة ،


وها هي حلقتهم تضيق حولي ، لتحبط أمامي كل محاولة للهرب!


لكأنهم يحاصرون قاتلا محترفا من رجال العصابات المنظمة!.. وأطلت الوجوه من النوافذ والأبواب ذاهلة مستغربة..


الأطباء والممرضات والموظفون..


ينظرون إلي في حيرة وكأن على رؤوسهم الطير..


لم يخطر ببالهم يوما أني يمكن أن آتي بفعل شائن يستحق تدخل رجال الشرطة!


أتكون هذه هي النهاية؟..


هزني هذا السؤال بعنف ،


فاعتراني شعور هائل بالظلم ،


ونفرت من عيني دمعة ساخنة تتلظى بلهب الأسى الذي انبثق في فؤادي كالطلقة!..


واندفع العم درويش نحوي كالملتاع ،


فحركت لهفته كوامن نفسي ، قال للضابط بلهجة متهدجة وشفتاه تختلجان :


ـ هناك خطأ يا حضرة الضابط.. هذا الدكتور صلاح.. أخبرني من تريد بالضبط.. وأنا أدلك عليه..


ابتسم الضابط ساخرا وقال:


ـ نريد الدكتور صلاح الحكيم..


نظر العم درويش إلي بعنين مغرورقتين ، وهو لا يكاد يصدق ، قلت مدافعا عن نفسي:


ـ إنهم يلوثون الأبرياء يا عم درويش..


حدجني الضابط بنظرة مؤنبة وأشار إلى أحد رجاله فاقترب مني وهو يحمل القيد الحديدي المهين ،


فأقفل إحدى حلقتيه حول معصمي ، وأقفل الأخرى حول معصمه ، ودعاني للمسير..


ومضيت معهم مطأطأ الرأس ، مكلوم الوجدان ،


تطاردني العيون بأسئلة كالسهام ، تريد لو تنكت لحمي لتعرف ما الذي يخفيه هذا الإرهاب تحته من أسرار!..


وألفيت هاني لدى الباب وهو يدلف بسيارته إلى باحة المستشفى ، فكبح فرامل سيارته فجأة ، وقد تسمرت يداه على المقود ،


وحطت نظراته علي في ذهول ، واستمر ينظر إلي برهة كمن أصابه مسٌّ ،


لكنه سرعان ما أفاق من ذهلته ، فترجل وأقبل نحوي مندهشا يتساءل:


ـ صلاح ، ماذا يجري؟


ـ كما ترى..


ـ لا أصدق..


ـ يجب أن تصدق كل شيء بعد الآن..


وسأل هاني الضابط بانفعال :


ـ ماذا فعل حتى تعتقلوه بهذه الصورة؟..


ـ هذا ليس من شأنك..


ـ أنا صديقه وأعرفه أكثر منكم..


ـ عندما سنحتاج إلى شهادتك سنستدعيك..


ـ كان بإمكانكم أن تعتقلوه بطريقة أفضل!..


ـ أرجو أن لا تعيقنا أكثر..


ـ أنتم لا تعرفون ماذا تفعلون؟ أنتم تشوهون صورة أنبل إنسان عرفته في حياتي..


نظر إليه الضابط مقطبا ، وقال بحده :


ـ اهتم بنفسك ، وتنح عن الطريق..


هتف هاني غاضبا :


ـ إهانة الدكتور صلاح إهانة لكل الأطباء..


رمقه الضابط في غيظ ، وقال في هدوء عاصف :


ـ إما أن تسكت ، أو تمضي معه..


أردف هاني غير عابئ بالتهديد :


ـ المتهم برئ حتى يدان ، والدستور لا يسمح بإهانة الأبرياء بهذه الصورة..


أثر بي إنفعال هاني ، لأول مرة أراه يتحدث بهذه الجرأة والحماس ، ورجوته أن يكف فقال لي بنبرة مشجعة :


ـ صلاح.. اطمئن.. سنثير القضية في نقابة الأطباء.. سنقيم الدنيا من أجلك..


أومأت له شاكرا ، ونظرت إلى الضابط مستسلما ، فمضى بنا موكب الاعتقال في هدوء ،


وأردف هاني وهو يشيعني بنظرات تفيض بالتعاطف والمواساة :


ـ صلاح.. لا تهتم.. كلنا معك..

No comments:

Post a Comment